داو جونز يفقد زخمه بعد مستويات تاريخية
شهد مؤشر داو جونز صعودًا قويًا خلال عام 2021، وقد استفاد المؤشر خلال 2021 بتراجع المخاوف التي تسبب بها انتشار فيروس كورونا وما تبعه من قيود إغلاق واسعة عرقلت النشاط الاقتصادي. وقد كان للتوسع في تطبيق برامج التطعيم أثرًا كبيرًا في رفع الروح المعنوية تجاه أداء الاقتصاد ومن ثم صعود داو جونز بقوة. خلال السطور التالية سنلقي نظرة على أداء المؤشر خلال 2022.
نبذة عن داو جونز DJIA
يعتبر مؤشر داو جونز الأكثر تعبيرًا عن أداء الاقتصاد الأمريكي بشكل عام، حيث يعكس المؤشر أداء 30 سهم لأكبر الشركات الأمريكية من حيث القيمة السوقية ومن حيث استقرار الأداء المالي. وقد تطور تكوين المؤشر؛ فبعد أن كان يحتوي على 12 شركة فقط حين إطلاقه في 1896 أصبح الآن يتكون من 30 شركة تعمل في قطاعات مختلفة بحيث تعكس حركة المؤشر حركة الاقتصاد بشكل عام.
أداء داو جونز خلال 2020 و2021
خلال الربع الأول من 2020 شهد داو جونز تراجعًا عنيفًا، فمنذ بداية يناير وحتى 20 مارس تراجع المؤشر من مستويات 28,638 نقطة إلى 18,591 نقطة بما يعادل خسارة بنسبة 35%. وقد كان السبب الرئيسي في ذلك التراجع الحاد هو تفشي فيروس كورونا في البداية داخل الصين، ثم انتقاله إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا ثم العالم.
قد أجبر انتشار الوباء الدول على اتباع إجراءات إغلاق عنيفة كان من شأنها أن توقف العديد من الأنشطة الاقتصادية وأن تقيّد حركة المواطنين بشكل غير مسبوق وخاصة مع ارتفاع معدلات الوفاة بشكل كبير وعدم معرفة مصل أو تطعيم لعلاج الفيروس في تلك الفترة.
وقد استمر ذلك التراجع لمؤشر داو جونز حتى تحرك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بالإعلان عن سياسة نقدية توسعية وخفض مستويات الفائدة إلى مستويات صفرية مع تدخل وزارة الخزانة الأمريكية بتطبيق معونات مالية واسعة النطاق لدعم الأسر والشركات العاملة في القطاعات الأكثر تضررًا من آثار الجائحة.
بدأ مؤشر داو جونز في رحلة صعود جديد في 21 مارس، كان ذلك الصعود مدعومًا بالطبع من جانب السياسات التحفيزية التي اتبعتها الحكومة الأمريكية والفيدرالي الأمريكي، كما لقي ذلك الاتجاه الصاعد دعمًا قويًا عندما بدأت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية في إصدار تصريحات الاستعمال الطارئ لبعض لقاحات كورونا والتي كان في مقدمتها لقاح فايزر- بيونتيك.
وفي 2021، تواصل الاتجاه الصاعد لداو جونز في ظل توسع حملات التطعيمات ضد فيروس كورونا وتخلي الاقتصاديات الكبرى عن الكثير من إجراءات الإغلاق والسير في تجاه عودة النشاط الاقتصادي إلى طبيعته. وفيما بين 20 مارس 2020 وحتى 4 يناير 2022 تحرك المؤشر من مستويات 18,591 نقطة إلى مستويات 36,799 نقطة بما يعادل صعود بنسبة 97.9%.
داو جونز في 2022
يشهد مؤشر داو جونز تراجعًا قويًا منذ بداية 2022، ويعتبر هذا التراجع نتيجة مجموعة من الأسباب، وهي:
-
أزمة سلاسل الإمداد العالمية
تسببت عمليات الإغلاق واسعة النطاق التي جاءت كنتيجة لتفشي كورونا في تعطل نشاط الكثير من الشركات، ومع بداية عودة الحياة الاقتصادية لطبيعتها ارتفعت معدلات الطلب بقوة على المنتجات، وقد خلق ذلك الطلب العنيف أزمة في سلاسل التوريد تجلت في عدد من الصور:
- فأول تجلي لها كان في البضائع التي يتم استيرادها بصورة مكتملة من الموردين الآسيويين وخاصة الصين التي تلقت مصانعها طلبات كثيفة من مختلف دول العالم ولم تكن المصانع بالطبع قادرة على مواكبة ذلك الطلب.
- والصورة الثانية لهذه الأزمة كانت في المواد الخام المستوردة من الخارج لإعادة تصنيعها في الداخل، إذ أن الدول المصدرة لتلك الخامات نفسها تعاني من تبعات جائحة كورونا على أداء مصانعها.
- أما الصورة الثالثة فكانت اكتظاظ الموانئ الأمريكية بالسفن الحاوية للواردات الأمريكية وعدم مواكبة خدمات الشحن الداخلية والخارجية لكمية البضائع القادمة.
-
ارتفاع أسعار النفط
بعد أن تراجعت أسعار النفط في مارس 2020 إلى مستويات متدنية غير مسبوقة؛ قامت الدول المصدرة للنفط بتشكيل تحالف أوبك+ ثم اتخذوا قرارات تم بموجبها خفض إنتاجهم من النفط لدعم السعر العالمي للنفط. وبعد أن بدأت الحياة الاقتصادية للعودة إلى طبيعتها ارتفع الطلب بقوة على النفط مما تسبب في ارتفاع سعر النفط بقوة وهو أحد أسباب ارتفاع خدمات الشحن.
-
الحرب الروسية الأوكرانية
تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في رفع أسعار النفط إلى مستويات لم تشهدها الأسواق منذ 2008 وذلك بسبب تعطل صادرات الطاقة الروسية، كما تسببت الحرب في إحداث ارتباك في خطوط الشحن البحرية والجوية نظرًا لاستبعاد كل من روسيا وأوكرانيا من خطوط الشحن.
-
عودة تفشي كورونا في الصين
تلقى الاقتصاد الصيني ضربة جديدة من جانب فيروس كورونا، إذ شهدت العديد من المقاطعات الصينية عودة لتفشي فيروس كورونا من جديد، وكان نتيجة ذلك أن قامت السلطات الصينية بفرض قيود إغلاق صارمة على عدد من المقاطعات من بينها مقاطعات رئيسية مثل شنغهاي وبكين، وتسبب ذلك في تراجع النشاط الاقتصادي الصيني.
وهكذا، فقد تضافرت تلك العوامل بشكل متزامن لتعمق من الأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة الأمريكية ولتصل معدلات التضخم الأمريكية إلى مستويات 8.5% سنويًا وهي مستويات تاريخية، كما تصاعد مخاوف الدخول في موجة ركود تضخمي في ظل سحب الفيدرالي الأمريكي لسياسته التيسيرية وخفض أسعار الفائدة.
وعلى خلفية تلك العوامل مجتمعة؛ شهد داو جونز تراجعًا قويًا فيما بين يناير وحتى الآن، إذ تراجع المؤشر من مستويات 36,321 نقطة ليستقر حاليًا عند مستويات 32,997 نقطة، بما يعادل تراجعًا بنسبة 9%.
توقعات أداء داو جونز
يتوقف الأداء المستقبلي لداو جونز بالأساس على تطورات الأوضاع المؤثرة على حركة الاقتصاد الأمريكي والتي سبق ذكرها في الأعلى، ولعل العامل الأهم في تلك المؤثرات هو تطور حركة معدلات التضخم الأمريكية في الشهور المقبلة بالإضافة إلى تطورات الحرب الروسية الأوكرانية.
والسبب الذي يجعل تطورات معدلات التضخم جنبًا إلى جنب مع تطورات الحرب هي العوامل الأهم بين تلك العوامل سالفة الذكر؛ هو أنه إذا استمرت معدلات التضخم في الارتفاع خلال الأشهر المقبلة مع استمرار الحرب، فإن ذلك يقربنا ويقرب الاقتصاد الأمريكي بشكل سريع من سيناريو الركود التضخمي وخاصة في ظل مضي الفيدرالي الأمريكي قدمًا في مسار التشديد النقدي.
ويرى بعض المحللين أن داو جونز سيواصل تراجعه خلال العام حتى يستقر في نهاية 2022 عند مستويات 30,300 نقطة، في حين يتجه البعض الآخر من المحللين إلى أن داو جونز قد يستقر في نهاية العام عند مستويات 28,000 نقطة.