لماذا تتراجع أسعار الذهب رغم مخاوف الأسواق؟
على الرغم من المخاوف الجيوسياسية وتفاقم الأزمات الاقتصادية إلا أن أسعار الذهب تواصل التراجع بقوة حتى هبطت لأدنى مستوياتها منذ فبراير 2022. ويعتبر السبب الرئيسي وراء ذلك التراجع في أسعار الذهب هو السياسة التشديدية القوية التي يتبعها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وذلك نظرًا لأن الذهب والدولار كلاهما ملاذان آمنان يفاضل بينهما المستثمرون في العائد والمخاطر. وخلال السطور التالية نسلط الضوء على أهم تطورات أسعار الذهب.
مؤشرات اقتصادية سلبية تدعم الذهب
- سجل مؤشر التغير في توظيف القطاع غير الزراعي الأمريكي قراءة سلبية عن شهر مايو. حيث سجل المؤشر زيادة في عدد الوظائف بنحو 128 ألف وظيفة فقط مقتبل توقعات الأسواق بأن يسجل 295 ألف وظيفة وأيضًا مقابل الشهر الأسبق الذي سجل فيه 202 ألف وظيفة. وهو الشهر الثاني على التوالي الذي يخيب فيه المؤشر آمال الأسواق.
- سجل مؤشر طلبات المصانع الأمريكي الشهري نمو ضعيف جدًا خلال شهر أبريل والذي كان بنسبة 0.3% مقابل توقعات بأن يسجل نمو بنسبة 0.8% ومقابل النمو المسجل في الشهر الأسبق بنسبة 1.8%.
- للشهر الثاني على التوالي يخالف الميزان التجاري الألماني التوقعات على وجه سلبي ويسجل فائض بقيمة 3.5 مليار دولار فقط خلال أبريل 2022 مقابل التوقعات بأن يسجل 5.6 مليار دولار.
- مؤشر معدل البطالة الأمريكي للشهر الثاني على التوالي يسجل نتيجة أعلى من المتوقع. حيث سجل معدل بطالة خلال مايو بنسبة 3.6% مقابل توقع بأن تسجل 3.5% فقط.
- مؤشرات الميزان التجاري البريطاني والإنتاج الصناعي جميعها تسجل قراءات سلبية بشكل كبير، حيث سجل صافي الميزان التجاري عجز بقيمة 20.9 مليار دولار مقابل قيمة متوقع بحجم 20.3 مليار دولار عن شهر أبريل، وسجل مؤشر الإنتاج الصناعي عن شهر أبريل انكماش بنسبة 0.6% مقابل التوقع بتسجيل نمو بنسبة 0.3%.
- تجاوز مؤشر معدل البطالة البريطاني التوقعات ليسجل 3.8% نسبة بطالة خلال أبريل مقابل توقعات بتسجيل 3.6%.
وذلك بالطبع فضلًا عن مؤشرات التضخم التي تعكس موجة تضخمية عاتية تجتاح العالم بأكمله وبالتالي فإن تزامن تلك القراءات يمثل دليلًا واضحًا على دخول الاقتصاد العالمي في حالة ركود تضخمي قوي وهو ما يترك البنوك المركزية أمام قرار صعب، فإما أن يوقفوا التضخم أو أن يوقفوا الركود. ولذلك فيمثل هذا الوضع حافز لدى بعض المستثمرين للاستثمار في أسعار الذهب خوفًا من عدم استقرار النظام الاقتصادي على المستوى الدولي.
تخفيض معدلات النمو المتوقعة يدعم الذهب
شهدت الفترة الماضية اتجاه العديد من المؤسسات الدولية لتخفيض معدلات النمو الاقتصادي المتوقعة، وفي السطور التالية أهم المؤسسات التي خفضت توقعاتها للنمو.
- أعلن البنك الدولي أنه قام بخفض توقعات نمو الاقتصاد العالمي للعام الجاري ليخفضه إلى 2.9% فقط مقابل التوقعات السابقة بأن يكون النمو بنسبة 4.1%.
- أعلن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أنه قام بتخفيض توقعات نمو الاقتصاد الأمريكي للعام الجاري ليكون عند 1.7% فقط مقابل التوقع السابق بأن ينمو بنسبة 2.8%.
- قال صندوق النقد الدولي أنه يعتزم خفض توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي خلال العام الجاري في مراجعته الاقتصادية القادمة.
- قامت مؤسسة جي بي مروجان بتخفيض توقعاتها للنمو الاقتصادي عالميًا من 3% إلى 2.4% فقط.
قيود الإغلاق من جديد في الصين
بعد قرار الصين برفع إجراءات الحظر عن المدن الصينية، عادت الصين من جديد لفرض إجراءات حظر في مجموعة مدن وعلى رأسهم شنغهاي الصينية وذلك بعد حدوث قفزة مفاجئة في أعداد إصابات فيروس كورونا داخل المدينة. ويثير ذلك مخاوف المستثمرين حول العالم لأن الاقتصاد الصيني يعتبر هو عصب الاقتصاد العالمي بشكل فعلي وبالتالي إذا حدث اهتزاز قوي في الاقتصاد الصيني فإن ذلك يزيد من وتيرة المخاوف حول الاقتصاد العالمي ومن ثم يدعم أسعار الذهب.
كما رأينا في السطور الماضية، فإن هناك عدد من الأسباب الاقتصادية على مستوى العالم تدعم أسعار الذهب وتدفعه للصعود. وذلك فضلًا عن استمرار الحرب الروسية الأوكرانية وتوسع نطاق التوترات السياسية ليشمل دول أخرى من أوروبا وخاصة تلك الدول التي قام بوتين بقطع إمدادات الغاز عنها.
وأيضًا هناك مخاوف مرتفعة للغاية من أن تقوم روسيا بقطع إمدادات الغاز عن ألمانيا عملاق الاقتصاد الأوروبي وهو الذي قد يتسبب في حدوث انهيارات اقتصادية لا يعرف أحد ما قد تكون نتائجها.
لماذا تتراجع أسعار الذهب رغم ذلك؟!
على الرغم من كل تلك المخاوف وعوامل عدم الاستقرار التي قمنا بذكرها، إلا أن الغريب أننا نرى أسعار الذهب تستمر في التراجع بشكل قوي. والسبب وراء ذلك هو أن الذهب يعتبر ملاذ آمن بديل للدولار الأمريكي. وبالتالي فإنه عندما يكون العائد على الدولار أعلى من الذهب فإن المستثمرين يتجهون للدولار، وهو ما يحدث حاليًا نظرًا لرفع أسعار الفائدة على الدولار.
أما في أوج موجات كورونا المتلاحقة عندما كانت السياسة الفيدرالية تيسيرية بشكل ملحوظ، رأينا كيف كانت أسعار الذهب تحلق عاليًا حتى تجاوزت 2000 دولار.
إلى أين تتجه أسعار الذهب؟
أسعار الذهب يبدو أنها مستمرة في التراجع خلال الفترة المقبلة وخاصة بعد أن رفع الفيدرالي الأمريكي من وتيرة التشديد النقدي في الاجتماع الأخير (اجتماع الأربعاء) وقام برفع الفائدة بنسبة 0.75% وبالتالي أصبح العائد على حيازة الدولار أكثر ارتفاعًا. كما أشار الفيدرالي إلى احتمال رفع الفائدة بنسبة 0.75% أخرى في الاجتماع المقبل وحتى يصل إلى مستوى 3% إلى 3.5% لمعدل الفائدة ككل.
وبالتالي فإن العوامل الأساسية الحالية ترجح استمرار تراجع أسعار الذهب. أيضًا العوامل الفنية تشير إلى استمرار تراجع أسعار الذهب خلال الفترة المقبلة، حيث تستقر أسعار الذهب حاليًا عند 1829.8 دولار، ومن المرجح أن يعود للتراجع نحو مستويات 1807 دولار بعد أن يلامس 1847 دولار.
وبالتالي قد يكون هناك فرص متعددة لتحقيق الربح من خلال صفقات الذهب وخصوصًا صفقات البيع نظرًا لأن الاتجاه الغالب حاليًا على أسعار الذهب هو الاتجاه الهابط. ابدأ بالتداول الآن.