عقود الغاز الطبيعي.. حصان رابح في تداول سوق السلع
لم تدم هدنة أسعار الغاز الطبيعي طويلًا، فبعد أن تراجعت أسعار الغاز الطبيعي من مستويات 9.2 دولار لكل مليون وحدة حرارية إلى 5.3 دولار بحسب تحركات التداول في سوق السلع، عادت أسعار الغاز الطبيعي من جديد للصعود بقوة لتستقر مجددًا عند مستويات أعلى من 9 دولار لكل مليون وحدة حرارية.
ولعل السبب الذي أدى للضغط على أسعار الغاز مؤخرًا هو مخاوف الدخول في ركود اقتصادي. ولكن مع استمرار الأسباب الداعمة لأسعار الغاز فإنه من الطبيعي جدًا أن نرى استمرار في ارتفاع أسعار الغاز.
وخلال السطور التالية نلقي الضوء على أهم وأبرز مستجدات سوق الغاز الطبيعي وأهم العوامل الداعمة لكل من الصعود أو الهبوط في أسعار الغاز الطبيعي.
روسيا تواصل استخدام الغاز الطبيعي كورقة ضغط
لم تكتف روسيا بخفض حجم إمداداتها من الغاز إلى أوروبا إلى أكثر من النصف، فقد أعلنت شركة غازبروم الروسية والمسؤولة عن إدارة وتشغيل خط نورد ستريم 1 للغاز أنها سوف تقوم بإغلاق خط الغاز بشكل كامل خلال الفترة من 31 أغسطس الجاري إلى 2 سبتمبر المقبل.
وادعت الشركة أن هذا الإغلاق غير المخطط سببه أن هناك بعض الإصلاحات في بعض المحركات وأن شركة سيمنز العالمية ستكون هي المنوطة بإجراء الإصلاحات اللازمة في هذا الخط. وقد كان لهذا الخبر أثرًا كبيرًا في رفع أسعار الغاز الطبيعي وخاصةً في ظل أزمة الوقود الحالية التي تعيشها أوروبا وبخاصة ألمانيا.
الطقس السيئ يعطل ما تبقى من إمدادات الغاز في أوروبا
يستمر الطقس السيئ غير المعتاد في فرض نفسه كلاعب رئيسي في أسواق الطاقة والغذاء والمعادن وغيرها من الأسواق التي تتأثر كثيرًا بالتقلبات المناخية، فقد تسببت درجات الحرارة المرتفعة وحالة الجفاف الذي تشهدها أنهار أوروبا في تعطل إمدادات الغاز التي تتحرك عبر الأنهار.
كذلك فقد تسبب ذلك الطقس في نقص الطاقة الكهربية المتولدة من توربينات الأنهار وكذلك الطاقة الصادرة من المحطات النووية مما تسبب في دعم الطلب على الغاز كوقود للطاقة وهو ما انعكس في تحركات الغاز خلال التداول في سوق السلع.
أزمة الطاقة تضغط على الدول بقوة
تتتابع الدول في اتخاذ الإجراءات الاستثنائية من أجل مواجهة أزمة نقص الغاز والنفط وهو الأمر الذي يؤدي لترسيخ التوقعات باستمرار أزمة الوقود لفترة كبيرة وبالتالي يتسبب في دعم صعود أسعار الطاقة بشكل مستمر. فقد أعلنت الحكومة في إسكتلندا أنه سيتم عقد اجتماع طارئ يجمع كبار موزعي ومستهلكي الغاز الطبيعي في الدولة من أجل التناقش للوصول إلى حلول تفيد في حل أزمة الطاقة الحالية.
وبحسب التوقعات الحكومية في إسكتلندا فإنه سيكون 36% من المواطنين مصنفين كفقراء بسبب ارتفاع أسعار الطاقة وذلك بقدوم شهر أكتوبر القادم.
بيانات مخزونات الغاز الطبيعي الأمريكية تدعم أسعار الغاز
كانت بيانات مخزونات الغاز الطبيعي الأمريكية أحد العوامل الداعمة لصعود أسعار الغاز بقوة وخاصةً خلال الأيام القليلة الماضية، فقد سجلت مخزونات الغاز الطبيعي الأمريكي 18 مليار متر مكعب فقط خلال الأسبوع الماضي وذلك مقابل التوقعات بأن تسجل المخزونات 38 مليار متر مكعب.
وبالإضافة إلى ذلك فإن تلك البيانات تعكس تراجع كبير في مخزونات الغاز الطبيعي الأمريكي مقارنةً بالأسبوع الأسبق والذي سجلت فيه البيانات 44 مليار متر مكعب من مخزونات الغاز.
عملاق استثماري عالمي يراهن على أسعار الغاز والنفط
أعلنت سلطات الرقابة المالية الأمريكية خلال الجمعة الماضية أنها وافقت على طلب مقدم من مؤسسة بيركشاير هاثواي لزيادة حصتها من أسهم شركة أوكسيدينشال بيتروليوم كوربوريشن لتصل إلى 50% من إجمالي الأسهم. وتعتبر شركة أوكسيدينشال من عمالقة صناعة الطاقة سواء في النفط أو الغاز الطبيعي أو غيرهما.
استمرار عراقيل سلاسل الشحن العالمي
بخلاف الأزمة المباشرة المتمثلة في قطع أو خفض إمدادات الغاز الروسية إلى أوروبا، فإن هناك أزمة أخرى غير مباشرة وهي المتعلقة بسلاسل الشحن البحري. فمن ناحية أدت العقوبات الغربية على روسيا إلى تجميد أرصدة العديد من شركات الشحن الروسية الكبرى، ومن ناحية أخرى أصبحت الممرات البحرية في البحر الأسود غير آمنة نظرًا لوقوعها في مسرح الصراع الحربي.
الغاز يتجاوز مخاوف الركود
على الرغم من ارتفاع المخاوف العالمية بشأن الدخول في دوامة ركود اقتصادي عالمي وخاصةً في الدول الصناعية الكبرى، إلا أن الغاز لم يتأثر كثيرا بهذه المخاوف نظرًا لوجود نقص بالأساس في الإمدادات مع ارتفاع الطلب وخاصةً مع اقتراب فصل الشتاء والذي عادةً ما يسجل مستويات مرتفعة من استهلاك الغاز الطبيعي للتدفئة.
كذلك فإن التباطؤ الاقتصادي الذي شهدته الصين مؤخرًا بسبب سياسة صفر كورونا لم يؤثر كثيرًا في أسعار الغاز، ولكن ربما كان أثره في منع ارتفاع أسعار الغاز لأكثر من المستويات الحالية.
كل الطرق تؤدي إلى صعود الغاز..
من الواضح أن الدب الروسي سوف يمضي قدمًا في استخدام الغاز الطبيعي كورقة ضغط رابحة في الصراع مع أوروبا وأمريكا، وبالتالي فإنه من غير المنتظر أن تشهد أسعار الغاز الطبيعي تراجعًا خلال الفترة المقبلة.
وأضف إلى ذلك أن المؤشرات الاقتصادية الأمريكية الأخيرة قد تدعم الاتجاه الداعي لتهدئة وتيرة رفع أسعار الفائدة وبالتالي تعطي دافع للمنتجين فيما يخص معدلات الطلب المتوقعة، وأيضًا فإن الصين قامت مؤخرًا بخفض مستويات الفائدة البنكية وهو ما قد يدعم مستويات طلب العملاق الصيني في سوق الطاقة.
تتجه الأنظار حاليًا إلى المستوى الذي قد يستهدفه الغاز الطبيعي في المرحلة القادمة، وبحسب مخطط أسعار الغاز، فإن الغاز قد أكمل نموذج (الفنجان والعروة) عند مستوى 9.2 دولار، وهو ما يرجح أن تصعد أسعار الغاز إلى مستويات 12.4 دولار خلال الأيام المقبلة. وبالتالي فإن الوقت حاليًا هو وقت مثالي لتداول عقود الغاز مع أكسيا.