هل ينجح مؤشر التضخم في دعم اليورو دولار؟
ما بين 14 يوليو إلى 12 أغسطس، استطاع زوج اليورو دولار أن يسجل صعودًا طفيفًا ليلامس مستويات 1.037 مستغلًا حالة الترقب التي سادت الأسواق قبيل مؤتمر جاكسون هول، ولكن سرعان ما ودع زوج اليورو دولار تلك المستويات ليهبط من جديد عند مستوى 0.99 وهو ما يعتبر أدنى مستوى له منذ عام 2022، فلِمَ فشل اليورو دولار في التماسك عند مستوى 1.037 وهل يستمر هبوطه؟
نظرة على أهم المؤشرات الاقتصادية الأوروبية
- مؤشري مديري المشتريات الفرنسي
سجل مؤشر مديري المشتريات الخدمي الفرنسي تباطؤ كبير في قراءته الأولية الصادرة عن شهر أغسطس الجاري، حيث جاءت قراءة المؤشر عند النقطة 51 والتي كانت مخيبة لآمال الأسواق، إذ كانت تشير التوقعات لأن يسجل المؤشر قراءة عند 52.9 نقطة. كما تعتبر هذه القراءة هي الأدنى للمؤشر منذ شهر أبريل 2021.
كذلك فقد سجل مؤشر مديري المشتريات الصناعي الفرنسي أدنى قراءة له منذ شهر أغسطس لعام 2016، حيث جاءت قراءة المؤشر عند 49 نقطة. وعلى الرغم من أن تلك القراءة تعتبر موافقة لتوقعات الأسواق إلا أنها تعكس بداية انكماش القطاع الصناعي الفرنسي.
- مؤشري مديري المشتريات الألماني
لم تكن قراءة مؤشرات مديري المشتريات الألمانية أحسن حالًا من نظيرتها الفرنسية، فقد سجل مؤشر مديري المشتريات الصناعي قراءة انكماشية عند النقطة 49.8، وعلى الرغم من أن تلك القراءة تعتبر أعلى من الشهر السابق وأعلى من التوقعات، إلا أنها لا تزال تشير إلى انكماش في القطاع الصناعي.
وفيما يخص مؤشر مديري المشتريات الخدمي، فقد سجل المؤشر أدنى قراءة له منذ ديسمبر 2021، حيث سجل المؤشر قراءة عند النقطة 48.2 متراجعًا من النقطة 49.7 خلال الشهر الماضي وأيضًا أقل من التوقعات التي أشارت لأن يسجل المؤشر 49 نقطة. ولعل استمرار القراءة الانكماشية في أداء المؤشر الصناعي الألماني تعكس توسع وتوغل أزمة الغاز بين القطاعات الصناعية الألمانية.
والجدير بالذكر هنا أن الاقتصاد الألماني يعتبر هو أقوى اقتصاد في منطقة اليورو يليه بشكل مباشر الاقتصاد الفرنسي، وهو ما يعكس مدى المخاوف المحيطة بمنطقة اليورو.
اتجاه السياسة النقدية الأوروبية
يقف المركزي الأوروبي حاليًا في موقف لا يحسد عليه إطلاقًا، ففي الوقت الذي يحارب فيه البنك من أجل ملاحقة معدلات التضخم التي بلغت معدلاته 9.8% (أعلى مستوياته منذ 40 عامًا) يتزامن مع دخول الكتلة الأوروبية في أزمة طاقة ساحقة تضغط على الاقتصاديات الأوروبية ولاسيما الاقتصاد الألماني وتجر الاقتصاد نحو الركود بخطى متسارعة.
وتزامنًا مع ذلك، فقد علق عضو لجنة السياسة النقدية في المركزي الأوروبي “مارتن كازاكس” بأنه من غير المرضي له أن يبقى اليورو على حالته الضعيفة الحالية بسبب معدلات التضخم المتصاعدة، وأنه لا مفر من الاستمرار في رفع أسعار الفائدة من أجل إعادة التضخم إلى مستهدفات 2% وأنه يرى أن الدفعة القادمة في سبتمبر يجب ألا تقل عن 50 نقطة وربما يحتاج الاقتصاد إلى 75 نقطة.
وعلقت عضو المركزي “إيزابيل شنابل” بأنه حتى وإن كان الاقتصاد الأوروبي يتحرك نحو الركود، فإنه لا خيار حاليًا سوى أن تتواصل السياسة النقدية بقوة حتى تواجه التضخم المرتفع.
مستجدات الأوضاع الاقتصادية الأوروبية
لازال اقتصاد منطقة اليورو يعاني من أزمة الغاز التي فرضته عليه الحرب الروسية الأوكرانية كضريبة لمساندة أوكرانيا أمام الغزو الروسي وخاصة الاقتصاد الألماني الذي يواجه حاليًا فقدان لـ 40% من احتياجاته من الغاز والتي تم منعها عنه بعد الإغلاق الأخير لخط نورد ستريم 1 والذي قالت روسيا انه سيتم إغلاقه للصيانة حتى 2 سبتمبر.
وفي ذات السياق، فقد قال المستشار الألماني “أولاف شولتز” ان ألمانيا ستستمر في الدعم العسكري واللوجستي لأوكرانيا في حربها ضد روسيا وأن الدعم لن يتوقف عند تطوير سلاح الدفاع الجوي، بل سيكون هناك شحنات لأسلحة ثقيلة متطورة قريبًا إلى أوكرانيا.
وأيضًا في فرنسا، قالت رئيسة الوزراء “إليزا بيث” انه على كافة الشركات أن تشرع في إعداد خطط خلال الفترة الحالية من أجل ترشيد استهلاك الطاقة، وحذرتهم من أنه إذا اضطرت فرنسا لتبني خطة لترشيد استهلاك الوقود والكهرباء فإن الشركات ستكون هي المتضرر الأول وستتحمل الفاتورة الأكبر.
ولم تقتصر الأزمة الاقتصادية الأوروبية على أزمة الطاقة وحسب، بل ان الكتلة الأوروبية لم تكن قد فاقت بعد من تبعات جائحة كورونا والتي خلفت كمّا هائلًا من الديون على دول الاتحاد الأوروبي إلى الحد الذي دفع المستشار الألماني “أولاف شولتز” لأن يقول بانه على الكتلة الأوروبية أن تعمل على الوصول لاتفاق بشأن خفض معدلات الديون الأوروبية المرتفعة.
اليورو في انتظار القراءة الأولية لمؤشر أسعار المستهلك الألماني
تترقب الأسواق غدًا صدور القراءة الأولية لمؤشر أسعار المستهلك الألماني، وعلى الرغم من أن المؤشر قد سجل تراجعًا في نسختيه؛ الشهري والسنوية خلال الأشهر الماضية، إلا أن المؤشر لايزال مستقرًا عند مستويات مرتفعة؛ حيث استقرت آخر قراءة شهرية عند 0.9% مقابل التوقع بأن يسجل 0.6% فقط، وأيضًا استقرت القراءة السنوية عند 7.5%.
وربما يعكس ذلك التراجع في قراءة مؤشر أسعار المستهلك أثر السياسة التشديدية للبنك المركزي الأوروبي، إلا أن تلك القراءة تثير مخاوف في ذات الوقت بشأن الاتجاه نحو الركود خاصة في ظل المؤشرات الإنتاجية التي تتجه إلى الانكماش. وتشير توقعات الأسواق إلى أن المؤشر سوف يسجل صعود جديد إلى 7.8% على أساس سنوي، وتراجع شهري إلى 0.3%.
ما هي فرص صعود اليورو دولار؟
يتداول زوج اليورو دولار حاليًا عند مستويات 1.001، وربما كان هناك بعض التفاؤل قبيل ندوة “جاكسون هول” بأن يستطيع اليورو دولار استكمال بعض الصعود، وكان هذا السيناريو يرجح أن نرى إشارات تهدئة من جانب جيروم باول بشأن أسعار الفائدة. إلا أنه بعد أن خيّب باول آمال الأسواق وأعلن أنه ماضٍ في طريق رفع أسعار الفائدة بقوة، فإن الدولار يظل هو السيد في تحركات الأسواق.
وبالتالي فإنه من غير المتوقع أن نرى صعودًا قريبًا في زوج اليورو دولار، ولكن عندما نتكلم على الإطار اليومي، فإن اليورو دولار قد يسجل صعودًا إذا ما خرجت بيانات التضخم أعلى من المتوقع بما يرجح دفعة جديدة من الفائدة الأوروبية بمقدار 75%.