هل تقرر أوبك+ خفض في إمدادات النفط؟
على الرغم من استمرار نقص الإمدادات النفطية في السوق العالمي، إلا أن أسعار النفط حاليًا تشهد حالة ضعف قوية، إذ أن أسعار النفط منذ شهر يونيو الماضي قد سجلت تراجعًا كبيرًا ثم أخذت تتراوح بين مستويات 100 دولار و90 دولار للبرميل فيما بين يونيو وحتى الآن، وهو ما يعكس وجود صراع قوي بين العوامل المؤثرة على أسعار النفط في كلا الاتجاهين. وخلال السطور التالية سنرى أي من القوتين مرشح للسيطرة على المشهد.
نظرة على أهم العوامل الداعمة لأسعار النفط
لا يزال هناك العديد من العوامل الاقتصادية التي تدعم أسعار النفط وتجبرها على البقاء في حيز 90 إلى 100 دولار حتى الآن. وبالطبع فإن أهم تلك الأسباب هو استمرار نقص إمدادات النفط في السوق العالمي، إذ لايزال سوق النفط العالمي يفتقد إلى جزء كبير من المعروض والمتمثل في صادرات النفط الروسية التي لاتزال بعيدة عن السوق العالمي.
أيضًا، فإن أزمة سلاسل التوريد العالمية لاتزال تمثل عامل داعم لأسعار جميع البضائع في التجارة الدولية نظرًا لارتفاع تكاليف الشحن البحري والذي يعتبر الطريق الأساسي للبضائع. وإلى جانب تلك العوامل، فإن هناك عوامل أخرى جديدة ظهرت على السطح.
أوبك+ تتخوف من الركود والنفط الإيراني
في 3 أغسطس الماضي، استقر قرار أعضاء أوبك+ على أن يتم إقرار زيادة في الإنتاج اليومي بمعدل 100 ألف برميل خلال شهر سبتمبر. ولكن رغم ذلك، ما لبثت أوبك+ أن أعلنت أنها قد عدلت توقعاتها لنمو الطلب على النفط خلال 2022 لتجعلها عند 3.1% مقابل التوقع السابق عند 3.6%.
وفي 22 أغسطس أفصحت منظمة أوبك عن البيانات التي تفيد بأن الإنتاج الفعل خلال شهر يوليو الماضي كان أقل من مستهدفات أوبك+ للإنتاج الشهري بحجم 2.89 مليون برميل يوميًا، بسبب ضعف الاستثمارات والعقوبات الاقتصادية على بعض الأعضاء.
ولكن، بالرغم من ضعف الإنتاج بالنسبة لمستهدفات أوبك+، إلا أن ذلك لم يكن كافيًا لطمأنة مصدري النفط، ففي 22 أغسطس فاجئ وزير الطاقة السعودي “عبد العزيز بن سلمان” بأن أوبك+ مطروح أمامها كل الأدوات للتعامل مع متغيرات السوق، بما في ذلك خفض معدلات الإنتاج من جديد. ثم شدد الوزير بعد ذلك على هذا الاحتمال قائلًا “إن البينات لا تعكس بشكل حقيقي الوضع في السوق، وهو ما قد يدفع المجموعة لتقرير خفض الإنتاج في الاجتماع المقبل”.
ومع كل تلك الإشارات، إلا أنه لم يكن أقوى من التقارير الأخيرة التي أفادت بها رويترز والتي أكدت وفقًا لمصادر داخل أوبك بأن أعضاء المجموعة وحلفائها في أوبك+ سيميلون بقوة إلى خفض الإنتاج إذا اقترب النفط الإيراني من أن يدخل إلى السوق العالمي، وهو الأمر الذي بات وشيكًا بالفعل.
مخزونات النفط الأمريكي سالبة
بحسب البيانات الأسبوعية لمخزونات النفط الأمريكية، فإن مخزونات النفط توشك أن تسجل صافي تراجع خلال شهرًا كاملًا، بحيث يكون أول شهر كامل تسجل فيه المخزونات صافي تراجع منذ ديسمبر 2021. وبحسب البيانات فإن مخزونات النفط الأمريكية تراجعت خلال الشهر حتى الآن بقيمة 13.7 مليون برميل، وللأسبوع الثالث على التوالي أيضًا تسجل تراجعًا أعلى من المتوقع.
مفاوضات البرنامج النووي الإيراني
يبدو أن أسعار النفط بدأت في تسعير توقعات بنجاح الجهود الحالية من أجل إعادة إحياء الاتفاق النووي بين إيران والقوى الغربية والذي ينطوي على خفض مستويات تخصيب اليورانيوم في المفاعلات الإيرانية مقابل رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية عن إيران.
وعلى الرغم من أن هناك بالفعل تقدم كبير في المفاوضات انتهى إلى تقديم الاتحاد الأوروبي لصيغة تفاوض نهائية من جانبه إلى إيران، إلا أن العقبة الحالية هي ربط إيران لموضوع التحقيقات من جانب وكالة الطاقة الذرية بشأن اكتشاف مواقع بها آثار يورانيوم غير معلن عنها بإحياء اتفاق البرنامج النووي الإيراني، وهو ما صرح مسؤولون أمريكيون بأنه أمر مرفوض تمامًا من الجانب الأمريكي.
عوامل أخرى تؤثر في أسعار النفط
تعتبر أهم العوامل المتبقية المؤثرة حاليًا في تحركات أسعار النفط هي ضعف معدلات نمو الاقتصاد الصيني وأيضًا توقعات أداء الاقتصاد الأمريكي. فبالنسبة إلى الصين؛ فإن سياسية صفر كورونا التي يتبعها العملات الاقتصادي الصيني تتسبب في فرض قيود إغلاق قوية بشكل متتالي في مقاطعات صينية يعتبر بعضها من أكبر المراكز التجارية والصناعية مما يضغط بالتالي على أداء النشاط الاقتصادي وهو ما انعكس بالفعل في المؤشرات الاقتصادية.
وأيضًا، فإن الاقتصاد الأمريكي لايزال يتحرك تحت ضغوط الفائدة الأمريكية المرتفعة، ويشوب اتجاه الاقتصادي الأمريكي حالة من الضبابية بسبب تضارب المؤشرات والتكهنات المتعددة بخيارات الفيدرالي المقبلة. ولكن الذي يكاد يكون أمرًا حتميًا، أن الفيدرالي يستهدف معدلات فائدة بين 3.5% و 4% بحد أقصى في بدايات 2023، وهو ما يعني أن النشاط الاقتصادي الأمريكي قد يتباطئ أكثر من ذلك.
إلى أين تتجه أسعار النفط
كما رأينا؛ فإن أسعار النفط حاليًا تتأثر بالعديد من المؤثرات الضاغطة على كلا الاتجاهين (الصعودي والهبوطي) وهو ما يجعل حالة عدم التأكد وعدم اليقين في سوق النفط مرتفعة. لكن ذلك لا ينفي حقيقة أن الفترة القصيرة المقبلة يسيطر عليها عاملين رئيسيين؛ هما قرار الفيدرالي الأمريكي واجتماع أوبك.
بالنسبة إلى قرار الفيدرالي الأمريكي؛ فإن السوق قد يكون قد سعر قراره بالفعل في أسعار النفط مما دفع خام برنت للتراجع حاليًا إلى 93.3 دولار للبرميل. وبالتالي يبقى الأمر منوطًا بقرار أوبك+ في 5 سبتمبر الجاري، وهو ما يرجح أن يكون بخفض معدلات الزيادة في إنتاج النفط، وبالتالي قد نرى خام برنت يستهدف مستوى 100 دولار من جديد.