هل تستطيع أسعار الذهب الاستفادة من البيانات الأمريكية الأخيرة
لاتزال تحركات أسعار الذهب تعكس بشكل قوي القوة التي يتمتع بها الدولار الأمريكي حاليًا، فنظرًا لأن الدولار الأمريكي والذهب يعتبران خصمين تقليديين على مرتبة الملاذ الآمن، فإن صعود أحدهما يؤثر بقوة بشكل سلبي على الآخر. وعلى الرغم من استمرار المخاوف الاقتصادية التي تجوب الأسواق، إلا أن المستثمرين لايزالون يراهنون على قوة الدولار الأمريكي وعلى أنه يستطيع أن يحفظ لهم استثماراتهم أمام العواصف الاقتصادية خاصةً وأن العائد على حيازة الدولار حاليًا مرتفع بقوة.
أداء أسعار الذهب خلال الأسبوع الماضي
حتى نهاية تداولات الخميس، كانت أسعار الذهب قد سجلت هبوطًا لخامس يوم على التوالي، فقد كانت الصدمة التي تلقتها أسعار الذهب من رسائل “جيروم باول” خلال مؤتمر جاكسون هول قوية بالقدر الذي دفع أسعار الذهب لتتخلى عن مكاسب أسبوع كامل وتهبط من مستويات 1,760 دولار للأوقية إلى 1,710 دولار خلال كتابة تلك السطور.
وربما لم يكن متداولي الذهب منتظرين أداءً كهذا وخاصة خلال الأسبوع الماضي، فقد كان العديد من توقعات الأسواق تتجه لأن يرسل جيروم باول رسائل من شأنها أن تهدئ من وتيرة صعود الدولار الأمريكي وخاصة مع ارتفاع مخاوف الدخول في كود اقتصادي.
وقد أدى الخطاب الأخير لجيروم باول إلى ارتفاع توقعات أن يقوم الفيدرالي برفع أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس جديدة خلال الاجتماع المقبل. وهو ما سيعتبر صفعة قوية لأسعار الذهب.
تصريحات أعضاء الفيدرالي وأسعار الذهب
خلال الأسبوع الماضي وبدايةً من انتهاء مؤتمر جاكسون هول، بدأت أسواق المال تتلقى ضربات متتالية من جانب تصريحات أعضاء لجنة السياسة النقدية التي أكدوا خلالها أن اللجنة تكاد تكون على قلب رجل واحد فيما يخص السياسة النقدية وخاصةً قرارات الفائدة.
فقد صرح عضو الفيدرالي الأمريكي “توماس باركين” أنه من الصعب حاليًا توقع أن معدلات التضخم ستعود إلى مستواها الطبيعي عند 2% خلال وقت قريب، وهو ما يجعل من الضروري أن يتواصل اتجاه الفيدرالي الأمريكي الحالي برفع أسعار الفائدة بقوة.
وقال “جون ويليامز” رئيس بنك نيويورك، أن البيانات الاقتصادية الحالية غير متوازنة وتعكس بشكل كبير أن معدلات الطلب في السوق لاتزال مرتفعة بالنسبة إلى معدلات العرض وهو ما يحتم على الفيدرالي أن يعمل بقوة لإعادة التوازن الاقتصادي من جديد، مضيفًا خلال تصريحاته أن معدلات الفائدة الحقيقية لاتزال سلبية وأن معدلات الفائدة تحتاج لأن تصل إلى 3.5% على الأقل.
وفي ذات السياق قالت عضو الفيدرالي “لوريتا ميستر” إن معدلات الفائدة يجب أن تصل إلى 4% بأقصى تقدير خلال بداية 2023، وأن الضغط على معدلات التضخم سيحمل في طيه صعوبات اقتصادية كبيرة على المدى القريب ويجب تحملها، وأن معدلات البطالة قد تصل إلى 4% بنهاية العام المقبل وأن من المبكر جدًا أن نحكم على معدلات التضخم بأنها قد أنهت اتجاهها الصعودي.
وقال “رفائيل بوستيك” رئيس الفيدرالي الأمريكي بولاية أتلانتا خلال مقالة قام بكتابتها مؤخرًا؛ إن معدلات التضخم بعيدة تمامًا عن مستويات 2% وإن الهدوء الأخير الذي أظهرته مؤشرات التضخم ليس بالضرورة مؤشرًا على انتهاء الاتجاه الصعودي، فقد يكون هدوءًا يتلوه استئناف لوتيرة الصعود القوية من جديد، وهذا ما ستقوله البيانات.
كيف استطاعت أسعار الذهب الصعود خلال يوم الجمعة؟
على الرغم من أن الاتجاه العام لأسعار الذهب يشير إلى مواصلة التراجع، إلا أنه خلال يوم الجمعة صدرت بيانات سوق العمل الأمريكي، والتي تعكس بقوة أداء الاقتصاد بكل قطاعاته. أشارت تلك البيانات إلى أن حجم التوظيف الجديد قد ارتفع خلال الشهر الماضي بحجم 315 ألف وظيفة، وعلى الرغم من أنه أعلى من التوقعات التي كانت تشير إلى 295 ألف وظيفة، إلا أنها تعتبر أقل نتيجة شهرية لعدد الوظائف منذ يناير الماضي.
وأيضًا كانت بيانات النمو في مؤشر معدل الأجر للساعة مخيبة للتوقعات، إذ كانت التوقعات تتجه لأن يسجل المؤشر نموًا خلال الشهر بنسبة 0.4% في حين سجل المؤشر 0.3% فقط.
كانت تلك البيانات بشكل كبير داعمة لصعود أسعار الذهب خلال يوم الجمعة، حيث حققت أسعار الذهب صعود حتى وقت كتابة المقال بنسبة 1.23% وصعدت إلى مستويات 1,716.7 دولار للأوقية.
وانعكس ذلك أيضًا في أداء عائدات سندات الخزانة الأمريكية، حيث تراجعت العائدات إلى مستوى 3.2% خلال اليوم، وذلك يعني أنه وعلى الرغم من تسعير الأسواق لرفع الفائدة بنسبة 0.75% خلال شهر سبتمبر، إلا أن تلك البيانات تشير إلى هدوء في حركة الاقتصاد وهو ما يعني هدوء في معدلات الطلب الكلي في الاقتصاد ومن ثم قد يفتح ذلك المجال أمام التفكير في تهدئة وتيرة رفع أسعار الفائدة.
توقعات أسعار الذهب
بصفة عامة، فإن أسعار الذهب ستواصل التراجع ما دامت الفائدة مرتفعة على الدولار الأمريكي، أي أن الذهب سيواصل تراجعه خلال الفترة المقبلة وقد يعود لاختبار مستويات 1,680.8 دولار للأوقية من جديد. ولكن، إذا ما لم تكن البيانات الأخيرة كافية لتهدئة مخاوف الفيدرالي الأمريكي، واستمر في التأكيد على زيادة الفائدة بوتيرة قوية، فإن ذلك سيكون له مردود أكثر سلبية على الذهب مما قد يجعلنا ننظر إلى مستويات 1,642 دولار للأوقية.