عقود القمح تقفز لأعلى مستوى على الإطلاق
لم تكن الحرب هي السبب الوحيد وراء الارتفاع الجنوني لأسعار عقود القمح، بل كانت مجرد الشرارة التي أشعلت الأسعار ورفعتها لأعلى مستوياتها. فمنذ العام الماضي وأسعار القمح في تزايد بسبب عدة أسباب أدت لتفاقم الأزمة، فهل تواصل أسعار عقود القمح ارتفاعها؟
لماذا ارتفعت أسعار عقود القمح؟
- قيام وزارة الزراعة الأمريكية بتخفيض توقعاتها للإمدادات
في نهاية العام الماضي، سجلت الولايات المتحدة توقعاتها بانخفاض الامدادات والعائد في الولايات المتحدة لعام 2021/2022 للقمح والذرة لتخفض إمدادات الذر ة إلى 14.8 مليار بوشل، بانخفاض 415 مليونًا عن توقعات يوليو. حيث فاجأت الأسواق بخسائر أكبر من المتوقع في الغلة لكل من الذرة والقمح، وهو ما ينعكس في نشاط الأسعار.
وفي يوم الخميس، 12 مايو، سجلت العقود الآجلة للقمح في الولايات المتحدة أعلى مستوياتها في شهرين حيث خفضت وزارة الزراعة توقعاتها للإنتاج للصنف الذي يزرع في السهول ويستخدم لصنع الخبز. حيث قدرت وزارة الزراعة الأمريكية، في تقرير المحاصيل الشهري، إنتاج القمح الشتوي الأحمر القاسي بـ 590 مليون بوشل، بانخفاض من 749 مليون في أبريل وأقل من تقديرات المحللين البالغة 685 مليون.
وأيضًا في شيكاغو، قفزت العقود الآجلة المعيارية للقمح بحد أقصى 70 سنتًا للبوشل بعد التقرير، وارتفع كل من القمح الشتوي والقمح الربيعي في مينيابوليس بمقدار حدودهما اليومية إلى أعلى مستوى منذ عام 2008.
- التغيرات المناخية
أدى ارتفاع درجات الحرارة وحالات الجفاف في داكوتا وكندا الوسطى إلى ارتفاع أسعار القمح إلى أعلى مستوى لها منذ ما يقرب من ثماني سنوات.
كما أدى الطقس الحار إلى إجهاد المحصول في الولايات المتحدة، حيث أثر الجفاف على حوالي 69٪ من مناطق القمح الشتوي في الولايات المتحدة اعتبارًا من 3 مايو، وفقًا لبيانات حكومية.
وقالت وزارة الزراعة الأمريكية ان المزارعين الأمريكيين سيتخلون عن معظم القمح الشتوي خلال عقدين من الزمن بسبب الجفاف الذي يجتاح بعض الولايات مثل تكساس وأوكلاهوما.
- مشاكل سلاسل التوريد
تأثرًا بأزمة كورونا وتبعاتها، وكذلك الحرب الروسية، توقع تقرير وزارة الزراعة الأمريكية الشهري أن تصدر أوكرانيا 10 ملايين طن من القمح في 2022/23، انخفاضًا من 19 مليونًا في 2021/2022.
ورغم أن الهند برزت كمصدر رئيسي في العام الماضي، فان المتوقع أن تنخفض مخزوناتها إلى أدنى مستوى لها في خمس سنوات. ومن المتوقع أيضًا أن تصدر البرازيل والأرجنتين كميات قياسية من الحبوب.
- الحرب الروسية على أوكرانيا
بحلول 24 فبراير، صباح اليوم الذي غزت فيه روسيا أوكرانيا، ارتفعت أسعار العقود الآجلة للقمح في مجلس شيكاغو للتجارة إلى أعلى مستوى لها منذ شهر يوليو 2020.
ومن المعروف أن أوكرانيا وروسيا، يطلق عليهما اسم “سلة غذاء أوروبا” لكونهما من كبار المصدرين للحبوب، فهذان الدولتان مسؤولتان معًا عن 29% من تجارة القمح العالمية. وقد اضطرت أوكرانيا، التي تدير خمسة موانئ رئيسية للحبوب، إلى إغلاقها في أعقاب الغزو الروسي مباشرة، ومنذ ذلك الحين حظرت الصادرات من أجل أن تضمن بقاء الإمدادات الغذائية مستقرة وسط الصراع الذي لا يعرف منتهاه حتى الآن.
كما فاجئت روسيا العالم في وقت سابق من هذا العام بقرار قلب الطاولة في سوق القمح، حيث قالت وزارة الزراعة الروسية ان روسيا قد تحظر صادرات القمح والجاودار والشعير والذرة من 15 مارس إلى 30 يونيو. كما أن هناك دولًا أخرى خارج الصراع، مثل مصر، فعلت نفس الشيء وحظرت صادراتها خوفًا من أن تؤدي اضطرابات سلسلة التوريد العالمية إلى إجهاض احتياطياتها ونفاذها.
- توقف صناديق تداول عقود القمح عن إصدار أسهم جديدة
في مارس الماضي، اضطر صندوق Teucrium Wheat Fund، وهو صندوق ETF قائم على تداول القمح، إلى حظر إصدار أسهم جديدة بعد ارتفاع طلب المستثمرين. وبرر الصندوق ذلك بأنه يمتلك عددًا محدودًا من الأسهم التي يمكن بيعها إلى المستثمرين وهي 7.4 مليون. مما أدى لارتفاع أسعار عقود القمح وتم التداول عليها بارتفاع كبير عن القيمة الفعلية للصندوق.
نقص القمح يهدد الأمن الغذائي العالمي
قال بنك جولدمان ساكس في مارس الماضي؛ إن سوق الحبوب العالمي يتجه نحو “الصدمة الأكبر” التي مر بها من قبل منذ عام 1972، وذلك عندما اشترى الاتحاد السوفيتي مخزون القمح الأمريكي وسط النقص الهائل في المحاصيل في حادثة سميت عالميًا باسم “سرقة الحبوب الكبرى”.
ويخشى الخبراء في مجال الأمن الغذائي العالمي من أن يؤدي ارتفاع أسعار العقود الآجلة للقمح والسلع الزراعية بشكل عام وكذلك توقف التجارة إلى نقص سلعة حيوية مثل القمح على أرفف المتاجر، مما يدخل العالم في دائرة متسارعة من موجات ارتفاع الأسعار مع نقص المعروض مما يهدد الأمن الغذائي العالمي، خاصة للدول النامية.
وقال ديفيد بيزلي، المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي أن العالم يواجه فعليًا مستوى غير مسبوق من الجوع، لكن غزو أوكرانيا يمكن أن يفاقم من أزمة الجوع العالمية ويرفعها إلى مستويات غير مسبوقة.
وعلى الرغم من أن دولًا مثل الصين والهند تحتفظ باحتياطيات هائلة من الحبوب لتحمل الاضطرابات في الإمدادات الغذائية العالمية. لكن دولة مثل الولايات المتحدة فإن احتياطياتها الاستراتيجية من الحبوب لا تساوي شيء مقارنة باحتياطاتها من النفط مثلًا.
توقعات أسعار عقود القمح
قالت الأمم المتحدة أنه من المتوقع أن تشهد أسعار القمح المزيد من الارتفاعات مما يعمق مشاكل المستوردين، خاصة مع تعثر سلاسل الإمداد وموجة الحظر التي تم فرضها على الموانئ الروسية والأوكرانية. وهناك توقعات بأن تصل أسعار القمح إلى مستويات 14 دولار للبوشل في نهاية العام الجاري 2022 وذلك إذا استمرت الحرب الروسية على أوكرانيا.