الدولار ين ينطلق بلا توقف
شهد زوج الدولار ين ارتفاعًا عنيفًا منذ مارس الماضي لم يشهده منذ نحو ستة سنوات، فقد تراجع الين الياباني بقوة أمام الدولار الأمريكي فيما بين 4 مارس وحتى الآن بنسبة تقترب من 13% بحيث ارتفع زوج الدولار ين من مستويات 114.95 في بداية مارس، ليستقر حاليًا عند مستويات 130.5. وخلال السطور القادمة نلقي نظرة على تطورات أداء الزوج.
الين والاقتصاد الياباني
يعتبر الاقتصاد الياباني هو ثالث أقوى اقتصاد على مستوى العالم، وهو يعتمد بشكل أساسي على الصادرات الصناعية، ويلعب البنك المركزي الياباني (بنك اليابان) دورًا محوريًا في الحفاظ على استقرار التنافسية الدولية للاقتصاد الياباني عن طريق الحفاظ على سعر الين عند مستويات منخفضة باتباع برامج التيسير الكمي، ويعد الين الياباني أحد الملاذات الآمنة عالميًا.
نظرة على المؤشرات الاقتصادية اليابانية
من المعلوم أن المؤشرات الاقتصادية هي أحد أهم العوامل المؤثرة على أداء الدولار ين كغيره من أزواج العملات، وبالنظر إلى تطور أداء أهم المؤشرات اليابانية نجد الآتي:
- ارتفعت القراءة السنوية لمؤشرأسعار المستهلك الأساسي لطوكيو خلال أبريل ليستقر عند مستويات 1.9% وهي أعلى مستويات للمؤشر منذ نحو سبعة أعوام، وتعتبر تلك القراءة قفزة كبيرة في المؤشر حين نقارنها بقراءة الشهر الماضي عند 0.8%، ويعتبر ذلك داعمًا لزوج الدولار ين.
- للشهر الثاني على التوالي تخيب قراءة مؤشر ثقة المستهلك آمال المستثمرين، حيث سجل المؤشر خلال أبريل تراجعًا إلى النقطة 33 وعلى الرغم من أنها أعلى بشكل طفيف من قراءة شهر مارس، إلا أنها كانت أقل من التوقعات التي اتجهت لأن يسجل المؤشر ارتفاع إلى 35 نقطة.
- قرر بنك اليابان في اجتماع 28 أبريل السابق الإبقاء على مستويات الفائد السالبة عند -0.10% مع السير قدمًا في التيسير النقدي وسياسة التحكم والسيطرة على منحنى العائد.
- لم يستطع الاقتصاد الياباني حتى الآن رفع معدلات التوظيف إلى مستويات ما قبل كورونا، فعلى الرغم من أن مؤشر البطالة قد سجل قراءة إيجابية عن شهر مارس والتي كانت عند 2.6% مقابل 2.7% عن الشهر السابق، إلا أن معدلات البطالة لاتزال أعلى مما كانت عليه قبل الجائحة وهو ما يعني أن الاقتصاد الياباني لازال يعاني من آثار كورونا بشكل واضح.
- ارتفع المؤشر السنوي لأسعار المنتج الياباني خلال شهر مارس ليصل لأعلى مستوياته لأكثر من 40 عامًا. حيث سجل المؤشر ارتفاعًا إلى 9.5% مقابل توقعات بأن يسجل 9.2% فقط.
سياسة التحكم في منحنى العائد
يتبني بنك اليابان سياسة التحكم في منحنى العائد من عام 2016، وتقضي هذه السياسة النقدية بأن يحافظ بنك اليابان على عائدات سندات الخزانة لأجل 10 سنوات عند المستويات الصفرية مع السماح بالحركة بمقدار 25 نقطة أساس أعلى وأدنى من الصفر. ويتبني البنك تلك السياية التيسيرية من أجل دعم معدلات النمو الاقتصادي الداخلية في اليابان، إلا أن تلك السياسة تجد صعوبات حاليًا في ظل اتجاه مجموعة G7 للسياسة التشديدية بقوة.
الين ورؤية كورودا محافظ بنك اليابان
لايزال محافظ البنك الياباني “كورودا” يجادل بأن الوقت الراهن ليس مناسبًا للتحول عن السياسة النقدية التوسعية على الرغم من ارتفاع معدلات التضخم بقوة لتصل إلى 9.5%، وبالرغم من اتجاه الولايات المتحدة لرفع مستويات الفائدة إلى 1% وإعلانها عن برنامج تشديد نقدي قوي.
لكن الأوضاع اليوم ليست كالأمس!
على الرغم من أن الاقتصاد الياباني كان دائمًا متعايشًا مع ارتفاع زوج الدولار ين (انخفاض سعر الين) إلا أن الوضع اليوم ليس كالأوضاع بالأمس. فبالأمس كان انخفاض سعر الين الياباني يساعد المنتجين اليابانيين على المنافسة السعرية في الأسواق العالمية مما كان ينعكس في معدلات إيراداتهم وربحيتهم.
الوضع اليوم مختلف، فأسعار الطاقة اليوم ارتفعت إلى مستويات تاريخية، سواء كانت النفط أو الغاز أو غيره، وليس ذلك بالنسبة للطاقة فحسب، بل ان أسعار كافة المواد الخام الداخلة بشكل أساسي في الصناعة اليوم تحلق عن مستويات تاريخية غير معهودة. بالتالي، فإن انخفاض سعر الين الياباني اليوم يمثل ضغوطًا مكثفة على أرباح الشركات والمصانع واليابانية وهو ما ينذر بالضغط على معدلات النمو والتوظيف.
كما أن اتباع دول G7 لبرامج تشديد نقدي سيؤول إلى تراجع معدلات الطلب الإجمالي وهو ما سينعكس كذلك في معدلات استيراد تلك الدول من اليابان مما قد يفاقم الأوضاع لدى الاقتصاد الياباني.
تحذيرات وكالة فيتش
قالت وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية أن الارتفاع المحتمل في عائدات السندات حول العالم بسبب السياسة التشديدية سيجعل من الصعب على الاقتصاد الياباني أن يواصل في برنامجه التيسيري منخفض العائد وسيجعل من الصعب على اليابان تثبيت نسبة الدين أو خفضها بالنسبة للناتج المحلي، بل ان تراجع سعر الصرف قد يدفع معدلات الدين لمستويات أعلى.
توقعات أداء زوج الدولار ين
حتى الآن، فإنه من غير المتوقع أن يتراجع بنك اليابان عن سياسته التيسيرية، بل ان محافظ بنك اليابان قد أكد عليها مرارًا وتكرارًا. وبالتالي فإذا مضي بنك اليابان قدمًا في هذه السياسة فإن الين الياباني سيواصل خسائره، وقد يصل زوج الدولار ين إلى مستويات 134 ثم 144.