الاقتصاد الياباني يقف صامدا رغم الضغوط
بعد إعادة فتح الاقتصاد الياباني في النصف الثاني من العام الماضي، شاهدنا تعافٍ ملحوظ في معدلات النمو، فعلى الرغم من انكماش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في الربع الثالث من عام 2022 إلا أنه عاود الارتفاع في عام 2023 بفضل انتعاش الإنفاق الاستهلاكي.
وتشير استطلاعات النشاط التجاري إلى أن الاقتصاد الياباني ينمو بشكل معتدل منذ يناير. ومع ذلك فقد ساهم انتعاش النشاط الاقتصادي في ارتفاع التضخم إلى ما فوق هدف بنك اليابان البالغ 2% ويمكن أن تؤدي التغييرات في سلسلة التوريد إلى ضغوط تضخمية، حيث يمكن أن تكون تكلفة نقل خطوط الإنتاج مرتفعة.
التضخم يسجل مستويات قياسية
بعد أن سجلت معدلات التضخم اليابانية مستويات قياسية في شهر يناير الماضي عند 4.3% تحت ضغوط اتساع عجز الميزان التجاري مع العالم الخارجي بسبب إغلاقات كورونا وتوترات سلاسل التوريد، عادت معدلات التضخم للتراجع حتى استقرت عند 3.5% مع تراجع ضغوط أسعار الطاقة وعودة الطلب العالمي للتعافي.
وقد توقع المحافظ الجديد لبنك اليابان “كازو أويدا” أن ينخفض التضخم في النصف الثاني من هذا العام، مما يسمح للبنك بالحفاظ على موقف سياسته التيسيرية والتي تنعكس في الإبقاء حتى الآن على مستويات الفائدة عند مستويات سالبة بنسبة -0.1%.
وعلى الرغم من تراجع التضخم إلا أنه يعود في جزء كبير منه إلى انخفاض أسعار الطاقة. لذا فإن التضخم الأساسي، الذي يستثني الغذاء والطاقة، لم يظهر نفس الإشارات على الهدوء، فعلى الرغم من تراجعه هو الآخر من أعلى مستوياته المسجلة عند 4.3% على أساس سنوي، فإن المستوى المسجل خلال مارس عند 3.5% يعبر عن استمرار الضغوط التضخمية الأساسية.
وتجدر الإشارة إلى أن التعافي المتتالي في الحساب الجاري الياباني قد ساعد في كبح مستويات التضخم داخل الاقتصاد الياباني، إذ عاد الحساب الجاري لتسجيل فائض بقيمة 1 تريليون ين خلال مارس بعد أن بلغ العجز المسجل في نهاية 2022 نحو 500 مليار ين.
تقليل الاعتماد على الشريك الصيني
بعد انتشار كورونا، قدمت اليابان حوافز للشركات لتنويع سلاسل التوريد الخاصة بها بعيدًا عن الصين. وقد تراجعت حصة اليابان من الواردات القادمة من الصين بنسبة 2.3 نقطة مئوية مقارنة بعام 2019. لكن على الرغم من ذلك، لا تزال اليابان تستورد أكثر من 20٪ من البضائع من الصين.
ومن المحتمل أن يكون لسياسات سلسلة التوريد التي نفذتها اليابان بعض الأثر الإيجابي والتي من المحتمل أن تتوسع فيها نظرا للتوترات الحالية بين الصين من جهة وأمريكا وحلفائها من جهة أخرى، وهي التوترات التي سيكون لها أبعادها على الاقتصاد الياباني إذا لم يتحرك بقدر ما بعيدا عن الاقتصاد الصيني.
بورصة اليابان تتفوق على سوق آسيا
ارتفع مؤشر أسعار طوكيو، المعروف أيضًا باسم توبيكس، بأكثر من 6٪ منذ بداية العام وحتى مايو. ويتفوق المؤشر واسع النطاق، المكون من حوالي 2000 سهم، على نظرائه الإقليميين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. حيث ارتفاع المؤشر إلى أعلى نقطة له منذ أغسطس 1990 عند مستويات 2175 نقطة، في إشارة إلى عودة المستثمرين الأجانب.
كما ارتفع مؤشر نيكاي 225 أيضًا إلى أعلى مستوى منذ نوفمبر 2021، وفي وقت سابق من هذا العام، شهدت الأسهم اليابانية ارتفاعًا في الأسعار بعد أن رفع رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة بيركشاير هاثاواي حصصه في السوق الياباني وألمح إلى أنه قد يزيد ممتلكاته في السوق الياباني قريبا.
وقد صرح Jesper Koll من Monex Group لشبكة CNBC أن رحلة بافيت الأخيرة إلى اليابان للقاء الشركات التجارية كانت بمثابة “ختم موافقة” على الاستثمار في اليابان.
توقعات الاقتصاد الياباني
من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الياباني بشكل طفيف حيث سيدعم الطلب المكبوت الإنفاق على المدى القريب. وسيحدد مسار التضخم إلى حد كبير التغيرات في السياسة النقدية وبالتالي مدى السرعة التي يمكن أن ينمو بها الاقتصاد هذا العام. ومن المتوقع أن يبلغ نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي نحو 1.8٪ في عام 2023 و 0.9٪ في عام 2024.